دراسات إسلامية
السلع
في الدراسات الاقتصادية الإسلامية
(1/2)
بقلم : الشيخ زيد بن محمد
الرماني
هناك تقسيمات للسلع الاقتصادية، أحدهما معتاد في الدراسات الاقتصادية
والآخر تختصّ به الدراسات الإسلامية (الفقهية) ولكل منهما منهجه في الدراسة الذي
يتميّز به عن الآخر، ومع ذلك فهناك بعض أوجه التشابه نعرض لها في موضعها .
تنقسم
السلع الاقتصادية في الدراسات الاقتصادية إلى أقسام عديدة تبعًا لطبيعتها أو طبيعة
استخدامها أو غير ذلك، على النحو الآتي:
أولاً : تقسيم السلع تبعًا لدرجة وجودها(1). تنقسم السلع إلى سلع حرة
وسلع اقتصادية .
فالسلع
الحرة أو مايعرف باسم >السلع والخدمات غير الاقتصادية< هي >تلك التي يحصل عليها الإنسان في أي أرض وتحت أي سماء بلا
مقابل كالهواء وأشعّة الشمس وماشابه ذلك< وهذه السلع تتّسم بالوفرة. وهي سلع لا يبذل الإنسان في سبيل الحصول عليها
أي جهد أو عناء أو يخصّص لإنتاجها أي قدر من الموارد .
وأما
السلع الاقتصادية فهي >التي لا بد للإنسان أن يُعمل فيها قدراته الذهنية والعلمية والجسمية
والفنية حتى يتمكن من الحصول عليها<. وهذه السلع تتّسم بالندرة. وهي سلع لاتُوجَد إلا بكميات محدودة بالنسبة
لمدى الرغبة فيها، ولا مناص من أن يخصّص الإنسان في سبيل إنتاجها قدرًا معينًا من
الموارد. كما أن هذه السلع لاتتّسم بصفة الندرة فحسب؛ بل بصفة المنفعة أيضًا .. إذ
إن استهلاكها أو استعمالها يُشبِع رغبات إنسانية معينة، ومن الواضح أن النظرية
الاقتصادية بوجه عام لا تُعنى إلا بدراسة هذا النوع من السلع بالذات سواء في مرحلة
إنتاجها في مختلف الوحدات الإنتاجية أو توزيعها أو استهلاكها عن طريق عمليات
المبادلة في الأسواق.
إن
إسقاط السلع الحرة من الاعتبار يشكّل مفرق طريق بين الفكر الإسلامي والفكر الوضعي،
وهو في الواقع يشكّل مفرق طريق بين فكر مادي وفكر يؤمن بالله والغيب(2).
إن
السلع الحرة ذات أهمية بالغة ليس فقط بالنسبة لحياة الإنسان؛ ولكنها كذلك في
مجالات الدراسة الاقتصادية؛ حيث تسهم في عملية الوفاء بحاجات الإنسان.. كما أن
استبعاد الفكر الوضعي للسلع الحرة من نطاق الدراسة الاقتصادية كان سببًا رئيسًا في
إخفاقه في الكشف عن القيم الحقيقية للاشياء .. كما أنه ترتّب على مثل هذه النظرة
تلك الفردية الطاغية المباحة لكل من يملك وسائل الإنتاج، وترتّب على هذه النظرة في
الجناح الآخر الدعوي إلى ذوبان الفرد في مجموع وسيطرة الدولة؛ مما أدى إلى نسيان
أن للسلع الاقتصادية وللسلع الحرة موجدها الأول، وهو الله سبحانه وتعالى وأن له
حقًا ينبغي أن يُؤدّي مقابل ذلك الفضل وتلك النعمة المتمثّلة في الإسهام في عملية
الإنتاج وإيجاد المنافع .
ثانيًا: تقسيم السلع تبعًا لطبيعتها(3): تنقسم السلع الاقتصادية إلى
سلع مادية وسلع غير مادية.
فالسلع
المادية هي : >السلع الملموسة التي يمكن وصفها سواء من حيث الشكل أو
الحجم أوالوزن<. وتسمى عمومًا بالسلع المادية كالمباني والأغذية
والآلات والملبوسات .
وأما
السلع غير المادية أي الخدمات فهي >التي يصعب وصفها ؛ لأنها تكون غير ملموسة< كخدمة الطبيب للمرضى أو المحامي للمتّهم..
ثالثًا: تقسيم السلع تبعًا لطبيعة استخدامها(4): تنقسم السلع
الاقتصادية إلى سلع استهلاكية وسلع إنتاجية (رأسمالية أو صناعية).
فالسلع
الاستهلاكية هي: >السلع والخدمات المتّجهة إلى المستهلك<؛ حيث تُشبِع الحاجات الإنسانية بصفة مباشرة دون حاجة إلى عمليات تحويلية
تُجرى عليها كالخبز والملابس ..
وأما السلع الإنتاجية فهي >سلع تشتريها المنشآت وتوجّه إلى
المشروعات الصناعية للمساعدة في الإنتاج أو لتكون مدّخرات في عملية الإنتاج وبمعنى
آخر أنها لا تُقدّم للمستهلك النهائي<.. ومن ثـَمّ فلا تصلح لإشباع الحاجات الإنسانية
بطريقة مباشرة؛ ولكنها تساعد في إنتاج السلع الاستهلاكية، ومثال ذلك الأرض والآلات
والموادّ الأوّلية ..
وقد
قام >كوبلاند<(5) من جامعة >هارفارد< الأمريكية بتقديم طريقة تقليدية لتقسيم السلع
الاستهلاكية، واعتمد في تقسيمه هذا على أساس الاختلافات في العادات الشرائية للمستهلكين
وعلى أساس سلوك المستهلكين تجاه كل نوع على حدة .. ووفقًا لهذا التقسيم، هناك
تقسيمات ثلاثة هي: السلع المُيَسَّرة (سهلةُ المنال، والسلع الانتقائية (سلع
التسوّق) والسلع الخاصّة.
فالسلع
المُيَسَّرة هي: >السلع التي يشتريها المستهلك بشكل متكرّر ومن أقرب مكان وبأقلّ قدر من
المجهود، ودون حاجة إلى مقارنات أو تقويم للفروق الموجودة بين تلك السلع<.. ومن أمثلة السلع الميسرة: الصحف، وأصناف البقالة كاللبن والجبن .
والسلع
الانتقائية هي: >السلع التي تُشترى بعد أن يقوم المستهلك بمقارنة المنتجات البديلة من حيث
السعر والجودة في المتاجر المختلفة ومن حيث مناسبتها وتصميمها وشكلها<. ومن أمثلة السلع الانتقائية: الملابس، والأثاث ، والأقمشة .
وأما السلع الخاصّة: فهي تلك >التي تتميّز بخصائص فريدة أو تحمل
علامات مشهورة مما يجعل لها مجموعة من المستهلكين يكونون على استعداد لبذل جهد خاص
في سبيل شرائها<. ومن أمثلة السلع الخاصّة: السيارات، والأجهزة الكهربائية المنزليّة .
رابعًا: تقسيم السلع تبعًا لدوامها(6): تنقسم السلع الاقتصادية إلى سلع
مُعَمَّرَة: هي التي يقتنيها المستهلِك للحصول على إشباع معين؛ ولكنه لايستهلكها
مرة واحدة، وإنما يتم ذلك على مدى فترة زمنية<. ومثال ذلك: الثلاّجة والسيّارة والملابس .
وأما
السلع غير المُعَمَّرَة: فهي >التي يتم استهلاكها عادة بعد استخدامها مرة واحدة<. ومثال ذلك: الطعام والدواء .
خامسًا: تقسيم السلع تبعًا لمدى الارتباط بينها من حيث طلب المستهلكين عليها(7):
تنقسم السلع الاقتصادية إلى سلع متكاملة وسلع بديلة..
فالسلع
المتكاملة : هي >التي تتضافر في صناعة سلعة مّا<. ومثال ذلك: الخشب والزجاج والأسلاك الكهربائية .
وأما
السلع البديلة فهي: >التي تُشِبع نفسَ الرغبات أو تسدي نفس المنافع<. ومثال ذلك: أن العطشان بإمكانه إرواء غليله إما عن طريق الماء، أو عن
طريق مُرَطِّب ما، فالمُرَطِّب بديل للماء بالنسبة للمستهلك الذي هو العطشان .
سادسًا: تقسيم السلع تبعًا لمدى الارتباط بينها من حيث
العرض(8): تنقسم السلع الاقتصادية إلى سلع متلازمة وسلع متنافسة .
فالسلع المتلازمة : هي >الناتجة عن مصدر واحد< ومثال ذلك: القمح والتبن أو الغاز
والبترول. فمصدر هذه السلع هو الأرض في الحالة الأولى، وحقل النفط في الحالة
الثانية .
وأما
السلع المتنافسة فهي >التي تستلزم عملية إنتاجها استعمال نفس العناصر الإنتاجية<.. ومثال ذلك : المنتجات الزراعيّة التي يتطلّب إنتاجها الأرض الزراعيّة
كالفلاحة والحصاد. وهذه السلع متنافسة بالنسبة للمنتج .
سابعًا: تقسيم آخر، سلع خاصة وسلع عامة(9):
فالسلع
الخاصّة : هي >تلك السلع التي يكون حق استخدامها وتبادلها بين أفراد
ممكنًا<؛ ولكي تكون سلعة مّا سلعة خاصة لا بد من الأخذ بمبدأ
الاستبعاد الذي ينصّ على >أنه بالنسبة للسلع الخاصّة يمكن للأفراد استخدام حقوق ملكيتهم لهذه السلع
باستبعاد الآخرين من الحصول على منافع من استهلاك تلك السلع< ومثال السلع الخاصة: الموادّ الغذائيّة والملابس .
وأما
السلع العامّة فهي >التي تعطي منافع إلى كل من يرغبون في الاستفادة من وجودها<. فاستهلاك شخص مّا لهذه السلع لا يُقِلّل المنافع التي يحصل عليها الآخرون
منها. ومثال ذلك: الدفاع القومي، والأمن، والطرق العامّة .
تقسيم السلع
في الدراسات الإسلامية :
لقد
كان الحديث عن السلع وأقسامها في الفكر الإسلامي وخاصّة في الفقه يتمّ ضمن باب
المال وأصنافه وعليه فإنه يحسن الحديث أولاً عن المال وأقسامه .
* * *
الهوامش:
(1)
ينظر: د. محمد أحمد صقر – الاقتصاد الإسلامي، المركز
العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدّة، 1400هـ، ص29، ود. حسين عمر – نظرية
القيمة، دارالشروق، جدّة، 1402هـ، ص28.
(2)
ينظر: د. أحمد عبد العزيز النجار – المدخل إلى
النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية،
القاهرة، 1400هـ، ص 32-33، ود. حسين غانم – السلعة الاقتصادية، ص 6-7/68 .
(3)
د. قبلان كيروز – موجز المبادئ الاقتصادية، مطابع
الغريب، بيروت، 1969م، ص301 .
(4)
R. S. A<exander – Marketing definitions, American
Marketing Association,
(5)
ينظر: د. محمد سعيد عبد الفتّاح –التسويق،
دارالنهضة العربية، بيروت، 1983م، ص 101-104، ود. محمد عبد الله عبد الرحيم –
التسويق المعاصر، مطبعة دارالتأليف، القاهرة، 1404هـ، ص 124-129، ود. صلاح
الشنواني – الإدارة التسويقية الحديثة، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1983م، ص
189-193.
(6)
د. حسين عمر – نظرية القيمة، ص 27-28 .
(7)
د. قبلان كيروز – موجز المبادئ الاقتصادية، ص
302.
(8)
د. قبلان كيروز – موجز المبادئ الاقتصادية، ص
302-303 .
(9)
ينظر: جي هولتن ولسون – الاقتصاد الجزئي، ص
34-35، وليونارد سلك الاقتصاد للجميع، ص 77-79 .
*
* *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول 1428هـ =
أبريل 2007م ، العـدد : 3 ، السنـة : 31.